تجلس دلال أبو عيشة (14 عاماً) في غرفتها عند جدتها أمام جهاز الكمبيوتر لساعات طويلة في اليوم الأول لشهر رمضان، متفادية كل ما من شأنه أن يذكرها بأسرتها التي قتل جميع أفرادها في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة (أواخر 2008 ومطلع 2009).وعلى رغم انها ترفض الخوض في حديث يذكرها بوالديها واشقائها الثلاثة الذين قتلوا إثر قصف منزلهم في حي النصر غرب مدينة غزة، إلّا ان دلال، الناجية الوحيدة، تصر على مواصلة تعلمها لعلها تصبح امرأة ذات تأثير في المجتمع.
وتراقب ام عادل زوجة عمها رشاد الذي يرعاها، حركات دلال وتقول: «جاء شهر رمضان ليذكر دلال بالسحور والفطور مع عائلتها وألعاب رمضان التي اعتادت ان يحضرها لها والدها». وتتابع ام عادل وهي مدرسة رياضيات، ان دلال وهي في الصف التاسع حالياً «دائماً شاردة الذهن وتجلس ساعات طويلة لتصفح الانترنت او مشاهدة التلفزيون. انها فتاة ذكية جداً لكن تحصيلها العلمي تأثر كثيراً. نحاول ان نساعدها للتغلب على وضعها».
ويصف رشاد الوضع في رمضان هذا العام «بالأسوأ»، ويضيف: «الحرب اضافت هموماً وأعباء لا نقدر عليها»، مشيراً الى ان الوضع النفسي لدلال التي تعيش مع جدتها في غزة «صعب مثل كل الأطفال من ابناء الشهداء».
ولا يختلف وضع ألماظة السموني التي قتل 29 من افراد عائلتها كثيراً عن دلال التي باتت تربطها معها علاقة صداقة. وتقضي الماظة معظم وقتها في خيمة ممزقة فوق ركام منزلها الذي دمره الجيش الاسرائيلي في الحرب الاخيرة وهي تستذكر مع والدها الجريح امها واخوتها الستة الذين قتلوا في الحرب. وتقول: «لن انسى امي واخوتي ... رمضان صعب من دونهم ... انا حزينة لان امي لا تعد لنا الافطار والسحور، وابي جريح لا يقدر على العمل ... امي واخوتي ذهبوا شهداء ... الله يرحمهم».
ويأمل والد الماظة ابراهيم السموني الذي اصيب بشظايا قذيفة دبابة اسرائيلية قتلت زوجته واولاده وهدمت بيته الى جانب عشرات المنازل المهدمة في منطقته في حي الزيتون شرق غزة، في ان تبدأ عملية إعادة إعمار غزة ليعيد بناء بيته. كما يأمل في ان يتمكن من تعليم ابنته لتصبح محامية تدافع عن حقوق «المظلومين».
ويقول ابراهيم وهو يستمع الى مكبر الصوت يقرأ القرآن في بيت عزاء عمه صالح والذي اقيم فوق ركام البيوت المهدمة: «شهر رمضان يفتح الجرح ويذكرنا بمصيبتنا ... زوجتي واولادي واخوتي واعمامي واولاهم كلهم استشهدوا وبيوتهم دمرت ... الايام الحلوة راحت». ويضيف: «لا طعم لشهر رمضان ولا لأي شيء بعد الحرب في غزة ... الحصار دمرنا ولا توجد اجواء رمضانية ... في السوق لا بضائع ولا حاجات الشهر الفضيل، واذا وجدت بضائع فهي بأسعار جنونية».
ويمكن ملاحظة قلة البضائع ومستلزمات رمضان في اسواق غزة رغم استمرار تهريب البضائع عبر الانفاق المنتشرة على طول الحدود بين مصر والقطاع الذي تحكم اسرائيل عليه الحصار. وتقول آمنة بربخ من سكان خان يونس (31 عاماً): «لا نلاحظ استعدادات للشهر الفضيل كما تعودنا في الأعوام الماضية». وتضيف انها تغض النظر عن الاشياء القليلة في السوق بسبب «قلة ما باليد والوضع الاقتصادي والمادي الصعب». وتروي هذه المرأة وهي أم لثمانية اطفال ان زوجها عاطل من العمل «واللحمة والفاكهة لا تدخل بيتنا لأشهر طويلة بسبب ارتفاع الاسعار».
الحال نفسه يعيشه سامي (40 عاماً) وهو من سكان مخيم جباليا في شمال قطاع غزة. يراجع وهو عاطل من العمل ايضاً قائمة احتياجات اولاده السبعة ومستلزمات العام الدراسي الجديد الذي يتزامن مع بدء شهر رمضان ويقول: «لا يعرف المواطن في غزة من اين تأتيه المصائب وكيف يعالج مشاكله. غالبية الناس من دون عمل ومن دون مصدر رزق، والاسواق بلا بضائع، واذا وجدت فالأسعار فوق طاقتنا». اما نبيل وهو صاحب محل حلويات، فيؤكد ان البضائع موجودة وتصل الى غزة عبر الانفاق، لكنه يشتكي قلة المشترين.
ويمكن هذا العام مشاهدة فوانيس رمضان المهربة من مصر بأعداد قليلة معلقة في الطرق او أمام واجهة بعض المحال التجارية، فيما إقبال المواطنين غير كبير على شرائها بسبب ضيق الحال.
وتخضع غزة لحصار وإغلاق تم تشديده منذ منتصف عام 2007 بعد سيطرة حركة «حماس» على قطاع غزة.